جمهورية الفساد والمفسدين
بقلم مروان اسكندر
حسب المعلومات الواردة عن التحقيقات مع مسؤولين سوريين، يبدو أن احدهم أقر بأنه وغيره حققوا مكاسب من الفساد لأن المناخ الاقتصادي والسياسي فاسد في لبنان، واللبنانيون فاسدون الى حد أكبر.
لا ندري من كان أكثر فساداً. لكننا نعرف ان الفساد عشش في مجالات نشاطات معينة، وعشش في زوايا العطاءات، وتجاوز القوانين، وكاد يطيح أسس النظام الاقتصادي في لبنان عن سبيل تحويلها مرتكزات يقرر حركتها أصحاب السطوة العسكرية او المخابراتية.
- الفساد تجلى في عطاءات المقاولات.
- الفساد كان واضحاً في مخصصات كازينو لبنان.
- الفساد تمدد عبر تجاوز الحدود الجمركية بين البلدين وتهريب مختلف انواع المشتقات والمنتجات الصناعية في الاتجاهين حسب الفرصة المتاحة في كل سوق، حتى أضحى عميل جمركي لبناني سابق صاحب ثروة توازي 100 مليون دولار.
- الفساد تسرب الى حسابات المخابرات الهاتفية الدولية.
- الفساد تجلى في اذونات الكسارات واستمرار عمل القليل منها الذي لم يتوقف عن الحصول على حماية من لبنان وسوريا.
- الفساد نخر المستوجبات الجمركية، فكانت سيارات جديدة تنمّر وتوضع قيد الاستعمال بملكية قادة سوريين يبيعونها في ما بعد ويحصلون على منفعة الرسم الجمركي الذي لم يتحصل أصلا للحكومة اللبنانية.
- الفساد تفشى في اموال السطوة على مصرفيين أو فنيين او اصحاب مؤسسات سياحية.
-الفساد فرض في مراقبة جهاز الأمن العام لصحة الفنانات الاجنبيات، ورخص الحفلات الغنائية والترفيهية، فكان جهاز الأمن العام برئاسة جميل السيد يحصد 15-20 مليون دولار سنوياً من دون قيود أو محاسبة.
- والفساد تفشى في الهواء الذي نتنشق والذي أصبح مشبعا بالكبريت بسبب حرق مستوردات نفطية لتوليد الكهرباء تحوي نسباً مرتفعة من الكبريت لا يجوز استعمالها وقاية للصحة من جهة ولأدوات الإنتاج من جهة أخرى.
أضف الى كل ذلك الفساد المتنقل بصورة مسكينة مع موظفين أمنيين يقصدون المؤسسات بإسم هذا او ذاك من المسؤولين الأمنيين اللبنانيين والسوريين للاستحصال على مئة أو مئتي دولار، الخ.
الأمر العجيب فعلا هو كيف استمر الاقتصاد اللبناني في العمل والدوران تحت وطأة جميع هذه الممارسات النافرة؟ ولماذا كان الاستمرار، وما هي أسبابه؟
الاقتصاد اللبناني استمر في دورة شبه طبيعية لأسباب اربعة في المكان الاول.
اولا: ان اللبنانيين متحركون ومتفائلون على وجه العموم وهم يبذلون جهودا كثيفة للتغلب على الصعاب بدل الانكفاء.
ثانياً: ان استقرار اسعار الصرف وفر مقداراً من الثقة بأن الاوضاع لا بد من ان تتحسن، وان القيم بالليرة للموجودات الثابتة ارتفعت بالدولار عملة القياس في أذهان المواطنين بكلام آخر، بعض اللبنانيين أحسوا انهم أثرياء مع ارتفاع اسعار عقاراتهم في صورة خاصة بالدولار.
ثالثاً: الممارسات الفاسدة دفعت أعداداً اكبر من اللبنانيين الى العمل في الخارج ومن ثم تحويل بعض مدخراتهم الى عائلاتهم ومن يعتمدون عليهم. وبالتالي، ارتفع حجم التحويلات الى لبنان باطراد، مما ساعد حساب ميزان المدفوعات ورفع موجودات المصارف في صورة ملحوظة.
رابعاً: النسبة الاكبر من المسؤولين السوريين المستفيدين وجدوا من الأنسب والأسلم تجميع مدخراتهم في لبنان لأن انفضاح حجم ثرواتهم في سوريا يؤثر في اوضاعهم هناك، على الاقل نظرياً. وبالتالي، ساهمت هذه الفئة في ترصيد القسم الاعظم من عائدات الفساد على المسؤولين السوريين في لبنان.
ولا شك ان اعتراف احد المسؤولين السوريين بالمشاركة في الفساد مع المفسدين اللبنانيين كان المدخل اليه حساباته مع زملائه في المصارف اللبنانية التي توصل الى الكشف عن بعضها التحقيق الدولي الجاري.
بعد كل هذا، كيف نتصدى للفساد؟ وهل بالفعل سنقوم بخطوات في لبنان تبرهن للمواطن العادي الحريص على مصلحة لبنان ومستقبل ابنائه في البلاد ان الحكم مقبل على انتفاضة الشرف والمعاصرة؟
أول المطلوب سد مسارب الفساد المستمرة، ومنها مسارب في التهريب، وفي الكازينو، وفي الكسارات، وفي حسابات الهاتف. وبعد الخطوات التمهيدية الضرورية، لا بد من اتخاذ المبادرات القانونية التي تؤدي الى تجميد حسابات الفاسدين والمفسدين من السياسيين والامنيين من دون هوادة ومن ثم مراجعة كل حالة ليقرر في شأنها قضاة منزهون عن الغرضية والاسترهان. نحن نؤكد ان هذه الحسابات تفوق المليار دولار. ومن الواضح ان هناك منفعة عامة من تجميدها ومصادرتها.
اننا نعلم تمام العلم ان هذه المبادرات ستؤدي الى مداخلات كثيرة والى احتجاجات واسعة واعتراضات مغلفة ببياض السمعة والنية وما، الى ذلك من أعذار. لكن لبنان بحاجة الى ان يواجه امتحانات المطهر، وبحاجة الى ان يزيل من النفوس الشعور بالتقزز من الممارسات التي طغت لسنوات وتآكلت سمعة البلاد والكثير من خيراتها.
الحكومة لا نقبلها نحن المواطنين حكومة مساومة. بل هي في نظرنا وأملنا حكومة خلاص وانعتاق، هي حكومة لإحقاق الحق وإزالة الباطل، هي حكومة لإعادة العزة للمواطنين وكشح نير الظلم عنهم. والا لا نريدها حكومة في هذا الوقت وفي هذا العصر، وفي الحكومة من فيها من طاقات خيرة ونبلاً في مسلكهم وتفكيرهم، وهذه الحكومة في امكانها طلاق مبدأ طائفية الوظيفة والإتيان بمن هم على مستوى عال من الكفاية والنظافة والامانة.
لبنان اليوم تحت مجهر استهدافات 14 آذار، والحكومة امام امتحان اللبنانيين من المقيمين والمغتربين ممن آمنوا بأن الخلاص آت وإن كان مدخله خسارة حياة اكبر زعيم وسياسي في تاريخ لبنان الحديث، رفيق الحريري.
انتظار نتائج التحقيق الدولي اصبح المناخ المهيمن على نفسية اللبنانيين. ولا شك ان ملفات التحقيق ستظهر من الفساد والإفساد ما سيعفر جباه آلاف اللبنانيين بالتراب، لكن الشرفاء هم اضعاف اضعاف المرتكبين وهؤلاء لهم الحق في لبنان جديد وفي ادانة كل من استسهلوا تعريض بلادهم للخراب المبرمج لمصالح عشرات المستبدين والمنتفعين.